في العالم الحالي -الذي يمثل “عالم القمع الحديث”- يعيش الإنسان فترة قد لا تصلح للنمو الإنساني، فترة يحاول البعض من خلالها السيطرة على العالم، سواء بتقليل الحجم السكاني الذي تجاوز سبعة مليارات نسمة أو نشر الفوضى من خلال مبدأ الإرهاب أو الأمراض المعدية المميتة للبشرية، أو حتى نهب الثروات وتفتيت البلدان -خصوصا النامية منها- من خلال خلق عداوة طائفية وما إلى ذلك.
يأتي ذلك انطلاقا من الإيمان بالتفوق التكنولوجي والسيطرة على الفكر البشري وجعل أساسيات الحياة الاجتماعية مبنية على وسائل التواصل الاجتماعي التكنولوجية، وجميعنا يعلم أنه ليس من السهولة أبدا أن يحصل الغرب على هذا التفوق أو ينال فضيلته أو يقظة إنتاجه، فهذا التطور قد نال سنوات من التخطيط.
يعلم الجميع أن الغرب لا يحاول إقامة شراكة موزونة وتعاون موزون مع دول الشرق ودول الشرق الأقصى -وتحديدا روسيا- على الصعيد التكنولوجي، ناهيك عن علاقة الهيمنة المتكررة التي تتجدد من فترة إلى أخرى في العالم العربي
من الصحيح أنه يمكن للتكنولوجيا أن تساعد في جعل عالمنا أكثر إنصافا وأكثر سلما وأكثر عدلا، ويمكن للإنجازات الرقمية أن تدعم كل هدف من أهداف التنمية المستدامة، لكن التكنولوجيا يمكن أيضا أن تصنع نظاما عالميا جديدا يهدد من خلاله الخصوصية ويتربص بالجميع ويتحكم بدول كاملة ذات سيادة عالمية، وفحوى موضوعي ليست من هذا المنطلق فقط.
فمن الجانب السياسي- السياسي يعلم الجميع أن الغرب لا يحاول إقامة شراكة موزونة وتعاون موزون مع دول الشرق ودول الشرق الأقصى -وتحديدا روسيا- على الصعيد التكنولوجي، ناهيك عن علاقة الهيمنة المتكررة التي تتجدد من فترة إلى أخرى في العالم العربي وكأن كل شيء يحدث للمرة الأولى، لكن وفق نموذج الأبدية.
ويعتمد الغرب على تفوقه الحالي اقتصاديا وتقنيا والمؤدي إلى التفوق العسكري بصورة طبيعية، لكن هاجس القلق يخيم دائما على العقل الغربي التكنولوجي في رؤية المستقبل وما قد يضطر الغرب إلى تقديم تنازلات لا يحتمل غروره تقبلها خلال العقود القادمة وربما قد تدفعه إلى القبول بالشراكة والعلاقة الموزونة مع بعض بلدان الخليج العربي نظرا للثروات الباطنية التي تمتلكها كأكبر قوة اقتصادية نفطية في العالم.
ومع أن الغرب لا يستطيع إلى الآن تقبل هذه الفكرة وسيسعى بما أوتي من قوة ودهاء لمنع صعود أي قوة عالمية في الشرق فإن المتابع للسياسة والاقتصاد العالمي يمكن أن يستشف صورة تعادل مستقبلية في القوة بين الغرب والشرق، وقد لا تؤدي إلى الصدام الذي بشر به الفكر السياسي الغربي المعاصر، بل قد يحدث العكس وقد يظهر نظام عالمي جديد متزن، نظام مندمج ما بين القوة الغربية التكنولوجية والقوة الشرقية النفطية.
إن البلاد الإسلامية عاجزة عن التوصل إلى مجرد نظرية مثل نظرية الخيوط الفائقة في الفيزياء، ولكن على الجانب التالي من الصعب التغاضي أيضا عن هوسنا التاريخي الأزلي بالنجاح التجاري العربي الغربي
بادعاء السياسيين في العالم فإن الغرب هو رمز للتعبير عن الهوية الصناعية والتقنية للشعوب الأوروبية، ورغم أن هذه الشعوب تختلف بقواسم ثقافية ولغوية كبيرة فإنها تشترك في النظام السياسي والاقتصادي وطبيعة القوى السياسية المتحكمة التي تتقن آلية الوصول للسلطة بالطرق الديمقراطية، وهذه القوى تجمعها أيضا عقيدة السيطرة وقلق المحافظة على القمة وفوبيا السقوط التي بدأت ملامحها تتضح تدريجيا اليوم.
نعم عزيزي القارئ تلك هي الحقيقة، ولزيادة بيت لهذا القصيد فإن الحقيقة بالنسبة للسياسيين الغربيين كالسكين والنار فهم لا يتقبلونهما لأنهما سوف تذبحانهم وتحرقانهم، فلا تصدقوهم حين يقولون لكم إن أولئك الذين يحملون لنا الحقد والبغض ليسوا سوى بعض كفرة وعصاة مسلمين.
الخوف من الإسلام ليس بجديد، إنه يستند إلى معطيات موضوعية وتاريخ أزلي، لذا نرى الإسلام والمسلمين اليوم لا يمتلكون تكنولوجيا النهضة ولا علوم هذه التكنولوجيا، المسلمون أعجز من أن يأتوا بذلك، وحتى إيران وباكستان، وعلى مستوى المعارف والعلوم النظرية فإن البلاد الإسلامية عاجزة عن التوصل إلى مجرد نظرية مثل نظرية الخيوط الفائقة في الفيزياء، ولكن على الجانب التالي من الصعب التغاضي أيضا عن هوسنا التاريخي الأزلي بالنجاح التجاري العربي الغربي أو العربي الآسيوي، وطريق الحرير أكبر مثال على ذلك.
أما على الجانب الغربي- الغربي فهناك من يقف وراء بعض التقدم التكنولوجي فيها، لإعادة ترتيب أوراق اللعبة بين المعسكر الشرقي الروسي الصيني والمعسكر الغربي الأوروبي الأميركي.
هذا الفكر يكرره الساسة في الغرب دائما لتوحيد شعوبهم بالسيطرة على العالم عن طريق الخوف من الإسلام، وفوبيا الغرب تجاه الإسلام ما هي إلا محاولة لا شعورية من الفكر المسيحي الكاثوليكي البروتستانتي الذي يقوده عرق الأنغلوسكسون لتوحيد هذا النمط من الثقافة بمسمى الغرب تجاه أعداء آخرين أشد فتكا وأعلى كعبا في العقود المقبلة، ألا وهي الصين (الكونفوشيوسية) وروسيا (الأرثوذكسية)، وهذا في ما يبدو ما شعرت به الصين وروسيا، خصوصا رئيسها فلاديمير بوتين الذي أصر على عدم نشر الدرع الصاروخية المضادة للصواريخ العابرة للقارات في دول الغرب السوفياتي القديمة ودول أوروبا الشرقية.
الفاشية ليست فقط الفاشية التاريخية (فاشية هتلر وموسوليني) التي عرفت جيدا كيف تعبئ رغبة الجماهير وتستعملها لمصالحها، فهناك الفاشية الاجتماعية والعسكرية والاقتصادية أيضا
إن الغرب اليوم ونتيجة لهذه العقلية المؤمنة بالتفوق بعد زوال روسيا يحاول الترويج لأسطورة الصدام كي يجمع الشعوب عنده ويجعلها مستعدة لليوم الأخير الفاصل الذي يتحسب فيه ساعة الصفر لإسقاط الصين كقوة عالمية صاعدة أو أي قوة أخرى أو حتى إيمان الإنجيليين الجدد بأن شيئا ما قد يحدث وتزول قوة الصين كما حدث مع السوفيات.
هذا التنظير الذي يجري اليوم بدأ بالإسلام بعد 11 سبتمبر/أيلول بتعبئة الشعوب الغربية ضد الإرهاب، هذا المفهوم الغامض المعبر عن حقيقة القلق الغربي السياسي الفاشي الذي هو في طريقه إلى أن يصبح حالة شعور جمعي عامة تتميز بها الحضارات والشعوب بما نسميها في هذه المدونة ظاهرة القلق الفاشي.
نعم أيها السادة، إن الفاشية ليست فقط الفاشية التاريخية (فاشية هتلر وموسوليني) التي عرفت جيدا كيف تعبئ رغبة الجماهير وتستعملها لمصالحها، فهناك الفاشية الاجتماعية والعسكرية والاقتصادية أيضا.
واليوم نراها عبر العالم أجمع لتشمل حكومات بلدان، منها منقسمة لأطراف معينة ولقوى معينة أو طوائف معينة وحتى على صعيد الفرد من رجال أعمال وأصحاب النفوذ، وأيضا في المجتمع هناك فاشية تكمن فينا جميعا وتسكن عقولنا وسلوكياتنا وتصرفاتنا اليومية بين بعضنا البعض.
إنها الفاشية التي تجعلنا نعشق القوة وبسط السيطرة على الغير وعلى الأصعدة كافة، هذا الشيء نفسه هو الذي يسيطر علينا اليوم ولا ندركه لربما سيكون حديث المستقبل.